|

صراع الأجيال 

الكاتب : الحدث 2024-07-13 10:33:40

 

علي بن أحمد الزبيدي 
قبل ثلاثة أيام زرت صديق لي من جيلي أستاذ جامعي مبدع متجدد ودار بيني وبينه نقاش حول التعليم وهمومه، وتشعّبت بنا الأودية حتى وقف بنا الحديث عند أبنائنا وبناتنا ، وكان في جملة حديثنا الاختلاف الكبير بين جيلنا والجيل الحالي وهذا أمر طبيعي بين جيلٍ وآخر لكن هذا الجيل مختلف كلياً.

 لا شكّ أنّ هذا الأمر ليس بدعة ولا يستغرب لأنّ لكل جيلٌ خصائصه التي تميزه عن جيله السابق لكن المصيبة الكبرى أن يتمسك كل جيل بزمنه فلا يتشارك الزمن مع الآخر، وهذا أمر لم يحدث من قبل لأن الانتقال بين الأجيال فيما مضى كان سلساً وبطيئاً، ولا أقصد أن يعيش الجيلين مع بعضهما فهذا أمر محسوم سلفاً لأن كلا الجيلين يتشاركان الزمان نفسه ليستلم كل جيل الراية من الجيل الذي سبقه وهذا ما فعلته كل الأجيال السابقة، إلاّ هذا الجيل المتسارع قد أصبح بعيداً عن جيله السابق وأصبح الفرق بيننا وبينهم شاسعاً فنحن نتقادم وهم يتجددون، نحن إلى انقراض كما يحلو لصاحبي أن يصف جيلنا وهم يتمددون،  وهم يركضون ونحن نمشي وئيداً، فإحصائيات العالم عموماً وإحصائيات المملكة العربية السعودية خصوصاً تقول أنّ عدد الشباب في تزايد وعدد كبار السن في تناقص وأنّ الشباب أقل من 30 سنة يمثلون أكثر من نصف السكان .
يقول ديل: “إن ما يسمى بفجوة الأجيال هو في جزء كبير منه نتيجة لسوء الفهم وسوء التواصل ، ويغذيها انعدام الأمن العام والرغبة في النفوذ ومن المفيد التعرف على أعراض الصراع ، والأهم من ذلك ، تحديد الأسباب الفعلية للنزاع والقضاء عليها – أو منعه "
       نعم نحن أمام مهمة عظيمة فالجيل الحاليّ هو جيل التقنية، هو جيل الذكاء الاصطناعي بخيره وشرًه، هو جيل الروبوتات. هو جيل التواصل الاجتماعي ( السوشيال ميديا )، هو جيل السرعة في كل شؤون حياتهم، هو جيل الاتكال على الآلة، هو جيل الانتماء الذاتي لا جيل القبلية ولا جيل المناطقية ولا جيل الأسرة الصغيرة ولا جيل الأسرة الكبيرة الممتدة، هو جيل لا يؤمن إلا بنفسه وزمنه وما يصلح له دون أن يلتفت لغيره .

هناك خصائص كثيرة ليس هذا مجال الحديث عنها لأنه سيطول ويطول وهو نزر من كثير، ويجب علينا أن نتعرف على خصائص هذا الجيل لنتعايش معه، وليس واجباً عليهم أن يتعرفوا خصائص جيلنا ليتعايشوا معنا، فالزمن زمنهم والجيل جيلهم والحياة حياتهم والمستقبل لهم، ومن الخطأ أن نبقى متمسكين بحياتنا السابقة ومن الخطأ أن نتخلى عنها وليس من الحكمة محاربتهم أو الانتقاص منهم أو وصفهم بالانفلات وغيره، لكن الحكمة توجب علينا أن نتماهى مع الجيل الجديد دون أن نخرج من عباءة القديم ( ديناً وعادات وتقاليد محمودة ) فالجيل الحالي ليس جيلاً سيئًا بكل مافيه، والجيل السابق ليس جيلاً جيداً بكل ما كان فيه، فلكل جيل حسناته وسيئاته صوابه وخطأه، نجاحه وفشله ولذلك يجب علينا أن نتلطف معهم في تربيتهم وأن نزرع فيهم الولاء لدينهم ووطنهم وقادتهم، وأن نربيهم على احترام الكبير كما يجب علينا أن نعلمهم أنّ الانسلاخ من القديم سيضعفهم، فالشجرة التي تمتد جذورها للأعماق تكون قوية أمام كل عواصف الحياة، والشجرة التي تخلت عن جذورها ستسقط مع أول نسمة تتعرض لها، ولذلك رأينا في هذا الجيل من حافظ على دينه وعاداته في أحلك الظروف، ومن تخلى عن دينه وعاداته وتقاليده وأهله من أجل حفنة مال أو من أجل تقليد آخرين أو من أجل إرضاء شخص أو من أجل تمرّد على القديم أو تجربة الجديد، وهنا نرى الفارق جلياً في التربية وفي معرفة الأهل لمتطلبات الحياة الجديدة، وليس الأمر منوطاً بالتعليم فقط كما يظنّ البعض، فالتربية هي بداية البذرة والتعليم رواءٌ لتلك البذرة حتى تصبح شجرة سامقة راسخة وكلاهما معين للآخر ولا يمكن الفصل بينهما.

همسة الختام 
الأجيال تتعاقب وهذه سنة الله في الكون، والاختلاف أمر محتوم بين الناس، لكنّ الله جعل الشمس تشرق في كل يوم منذ نشأة الكون لتعلّمنا أنّ لكل عصر دولة ورجال، وأنّ المتجدد قادر على التعايش في كل زمان وفي كل مكان فكونوا متجددين وتقبلوا الاختلافات وتعايشوا مع أبنائكم وبناتكم وأحفادكم ووثقوا العرى بينكم وبينهم .